تواصلت الاحتجاجات الشعبية طوال اليومين الماضيين وامتدت الى مناطق عديدة من العمق المصري، اي انها لم تقتصر على المدن الكبرى مثل القاهرة والاسكندرية، مما يعني انها يمكن ان تتحول الى انتفاضة شاملة في الايام القليلة المقبلة.
مظاهرات اليوم التي من المتوقع ان تنطلق بعد صلاة الجمعة قد تأتي بمثابة التيرمومتر لقياس حركة القاع المصري بالشكل الصحيح، اللهم الا اذا فرضت السلطات المصرية حظر التجول لمنع الاحتجاجات من التوسع، وهذا امر غير مستبعد بالنظر الى حالة الارتباك التي تعيشها حاليا.
الشعب المصري بدأ يتخلص من ثقافة الخوف مثله مثل نظيره التونسي، فلم يعد يخشى دبابات الامن المركزي ولا عصي جنوده الغليظة، وبات يستنشق دخان القنابل المسيلة للدموع بمتعة غير عادية، وكأنها اغلى انواع البخور واطيبه.
النظام المصري يترنح.. قبضته الحديدية على مجريات الامور بدأت تضعف وتتآكل امام زخم الاحتجاجات وشعاراتها القوية التي تطالبه بالرحيل، وتندد بالفساد والقمع ومصادرة الحريات، لا نعرف كم سيصمد، ولكن ما نعرفه ان الانتفاضة الشعبية الحالية مختلفة عن كل نظيراتها السابقة، كما ان حجم المعاناة المتضخم الذي ادى الى انفجارها مختلف ايضا.
اربعون مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر، وهذا لا يعني ان ظروف من يعيشون فوقه افضل كثيرا، وباستثناء، حفنة صغيرة تشكل بطانة النظام وقاعدته الاساسية، وتتعيش من ضرع فساده، يمكن القول ان الغالبية الساحقة من المصريين تعيش ظروفا مغرقة في السوء.
اعداد شهداء هذه الانتفاضة ما زال محدوداً بالمقارنة مع نظيراتها في تونس واليمن، ولكن مؤشرها البياني في ارتفاع مطرد ربما لأن رجال الامن المركزي الذين يفوق تعدادهم المليون لا يريدون سفك دماء مواطنيهم واهلهم، وهذا توجه على درجة كبيرة من الاهمية يمكن ان تكون له انعكاساته في المستقبل القريب، من حيث تسارع انحياز الامن المركزي الى الشعب في نهاية المطاف حقنا للدماء، وافساح المجال امام قيادة جديدة تمسك بزمام الامور، وتعيد للبلد كرامته وعزته ودوره الذي افتقده طوال السنوات الثلاثين الماضية، عربيا واقليميا ودوليا.
من حق واشنطن ان تقلق، فانهيار النظام المصري هو انهيار لكل سياساتها الخارجية في الشرق الاوسط، وفشل حربها على الارهاب، وتصعيب موقف قواتها في كل من العراق وافغانستان، فالادارات الامريكية المتعاقبة استثمرت الكثير من الجهد والمال لترسيخ دعائم هذا النظام، ليس حبا به وانما حرصا على تأمين حدود اسرائيل، واستمرار دوران عجلة العملية السلمية معها بغض النظر عن اعطائها النتائج المرجوة ام لا.
من المؤكد ان الاسرائيليين يعيشون حالة من الرعب والهلع، وهم يتابعون التطورات في مصر، فلن يأتي نظام مصري افضل بالنسبة اليهم من النظام الحالي، يوفر لهم الحماية والأمن مقابل مكاسب ميكروسكوبية قليلة.
ولعل دول الاعتدال العربي التي تعتبر النظام المصري محورها تقف امام مفترق صعب، بعد ان خسرت حلقة تونس المهمة، وباتت على وشك ان تخسر الحلقة المصرية الاهم.
المخاض المصري بدأ، وولادة عملية التغيير باتت وشيكة جدا، وبات رحيل النظام مسألة وقت، ولا نستبعد ان يكون بعض عناصره قد هرب فعلا بحثا عن امان، ولكن لا امان لمن سرقوا عرق الشعب وثرواته.
رأي القدس