الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
فقد ورد في مسند الإمام أحمد رحمه الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله سبحانه قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من يحب، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه ". فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الناس متفاوتون في الأخلاق كما أنهم متفاوتون في الأرزاق، وتضمن ذلك حث كل مؤمن أن يجتهد في التخلق بالخلق الحسن، كما يجتهد في طلب الرزق بالمباح من المهن، وما أعطي أحد عطاء خيراً وأفضل من خلق حسن يدله على الصلاح والتقى، ويردعه عن السفاه والفساد والردى. والمتحلون بمحاسن الأخلاق هم أفضل الناس على الإطلاق.
أيها المسلمون: حسن الخلق يمن وسوء الخلق شؤم، والخلق الحسن ينحصر في فعل المرء ما يجمله ويزينه، واجتناب ما يدنسه ويشينه. وقال بعض السلف: هو فعل الفرائض والفضائل، واجتناب منكرات الأخلاق والرذائل. وبعض الناس حينما يسمع بحسن الخلق يظنه مقصوراً أو مقصوداً ببشاشة الوجه وطيب الكلام، وهذا نوع ولا شك من مكارم الأخلاق بالاتفاق، ولكنه لا يحصرها على الإطلاق، بل حسن الخلق أعم وأشمل من هذا كله، وهو ما وصف الله به عبده ورسوله ومصطفاه، ونبيه وخليله ومجتباه، محمداً صلى الله عليه وسلم بقوله: " وإنك لعلى خلق عظيم ".
و" لقد بينت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها خلقه العظيم، وفسرته حينما سئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان خلقه القرآن ". أي يتأدب بآدابه، ويأتمر بأوامره، وينتهي عن نواهيه، ثم قرأت: " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ". فأمره ربه بأن يعطي من حرمه وأن يصل من قطعه، وأن يعفو عمن ظلمه. ومن حسن خلقه صلى الله عليه وسلم أنه يصل الرحم، ويحمل الكل، ويكسب المعدوم، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الدهر، ويغيث ذا الحاجة الملهوف.
أيها المسلمون: من حسن الخلق بر الوالدين وصلة الأرحام، والتودد إليهم بوسائل الإكرام، والاحترام، حتى يودع في قلوبهم محبته، والثناء عليه والدعاء له، ورضي الله من رضى الوالدين، والوالد أوسط أبواب الجنة، " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكرم الناس فقال: أتقاهم للرب، وأوصلهم للرحم، وآمرهم بالمعروف، وأنهاهم عن المنكر ". فبر الوالدين وصلة الأرحام مع أنها من محاسن الأخلاق فإنها سعة في الأرزاق، وبركة في الأعمار، ومحبة في الأهر، وسبب لدخول الجنة والنجاة من النار، فالواصل موصول بكل خير، والقاطع مقطوع من كل بر، وليس الواصل بالمطافىء، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها.
ومن حسن الخلق الإحسان إلى الجيران، وإيصال النفع إليهم، والعطف عليهم، والإحسان إليهم، ومعاشرتهم بطيب الوفاق وكرم الأخلاق، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره.
ومن حسن الخلق إفشاء السلام على الخاص والعام، وطيب الكلام، وأطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام، فقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم من كان كذلك بدخول الجنة بسلام.
من حسن الخلق أن تسلم على أهل بيتك إذا دخلت عليهم، وهذه سنة مشهورة، وقد أصبحت عند الكثير من الناس اليوم مهجورة، مع أنها بركة على الداخل المسلم وأهل بيته كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن حسن الخلق معاشرة الزوجة بالإكرام والاحترام، وبشاشة الوجه وطيب الكلام، قال صلى الله عليه وسلم: " خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي ".
ومن حسن الخلق معاشرة الناس بالحفاوة والوفاء، وترك التنكر لهم والجفاء، وصدق الحديث، واداء الأمانة، والنصيحة لهم، فذلك من أهم أخلاق الإيمان والديانة.
ومن حسن الخلق استعمال النظافة في الجسم والثياب، وفي المنزل، فإن الله جميل يحب الجمال، طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، وإن الله إذا أنعم على عبده نعمة يحب أن يرى أثرها عليه.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
عباد الله: " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ".
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.